عانت في حياتها أزمات نفسية حادة، وعاشت سنواتها العشرين خجولة من شكلها الذي يبدو عليه التشوه الخلقي.
كانت كثيراً ما تُحرج من أنفها وحجمه غير الطبيعي وبشرتها الشديدة السمرة وأسنانها المعوجة.
بدأ شيطان الشباب يداعب قلبها ويعلن عن شوقه لفارس الأحلام.. أي فارس ذكوري، حتى وإن كان فارساً بلا جواد.
ظلت تبحث عنه في وجوه الخلق.. في اي شاب يصادف نظراتها المتحسرة.
حتى الموت الذي تمنته بعد ان تجاوزت الاربعين عاماً من الصبر المرير، كان له ذائقة لا تشتهيها.. ذائقة فخمة توفرها وتنتقي الأوسم والأجمل والأكثر أناقة وأنوثة، مما أوصلها الى حافة الجزع من دائرة القلق التي ولدت داخل اسوارها.. وهو الامر الذي جعلها تغتصب الموت وترغمه على الشهادة بارتباطها بالانتحار معانقةً اياه غير آسفة على ما تبقى من العمر، لتضع الموت حائراً أمام الأمر الواقع.
الصحف ليست للقراءة
في بلد المليون قارئ تنوعت أسماء الصحف كما تعددت فوائدها، صارت تصدر لغير المدمنين على قراءة حروفها بشغف، لغير المهتمين بالتواصل مع العالم على جميع الاصعدة.
باتت تُفرش على الموائد ساعة الأكل وتحمي الرؤوس من قساوة الشمس التي غاب دفئها لتبدو وكإنها باب من جهنم الحمراء فتحه الرب على العباد على سبيل التجربة.
والأهم من ذلك كله إنها استخدمت كأكفان مؤقتة تخفي بشاعة الجثث على الأرصفة.. وهو الأمر الذي دعا القائمين على الصحف إلى توزيعها أوراقاً سمراء فارغة من أي مطبوع حتى لا يختلط الحبر مع استخداماتنا المتعددة.
رَدْ الجميل
كانت أمامي منذ ان فتحت عيناي على ألوان الحياة.. ترعاني كما الفلاح للنبتة، تهتم بشأني كما الشمس بالعباد... لقد ابتلاها القدر بي بعد ان غادرت امي الحياة.
ولانها مخلوق كما الورد، ذَبلتْ وطواها الزمن كالذكريات وصارت كتلة من الامراض المزمنة التي تحتاج الى رعاية متواصلة.
إلا ان طيش الشباب فارقني عنها، وغدوت ناكراً للجميل والتضحيات التي قدمت..
تَزوجتْ وابتعدت عن قرف شكواها وآلامها.. اختفيت عن حياتها ولم اعد أراها.
وبعد أكثر من خمس سنوات من الزواج، اشتعل بداخلي بريق جديد من العاطفة الجياشة، صرت عاشقاً كما ابطال الافلام الرومانسية.
لم استغرب لنفسي المتعطشة للحب بقدر ما استغربت سلوك زوجتي التي جذبتني إليها بذكائها الحاد.
لم تشتعل فيها نار الغيرة، وإنما كانت تطلب مني متمنية ان التقي بمن أحب.. الامر الذي ضاعف شوقي وحرك إحساسي، ودعاني للزحف متوسلاً الرضا ممن هجرت.. واحببت.
قبلت يديها.. ورضيت ان تقبلني ذلك الطفل الوديع الذي ربت أو خادماً مطيعاً يبحث عن رد الجميل.
إعترافات زائفة
جَمعتُ أهالي الحي، محاولاً تبرير أكاذيبي ووشاياتي.. والإعتراف بكل حماقاتي..
ابتدأتُ كلامي وكإني أتحدث من منبر عالٍ:
- ما من مجرم يفكر بالاعتراف في جرائمه، غير انني سأعترف لكم بأكاذيبي وافتراءاتي على حكومتنا المجيدة.
تنبهت لنظرات الجمهور تقاطع بعضها الآخر، وبدأت الدهشة ترتسم على وجوه من حولي.. عَجلت الدخول في الموضوع مستغلاً دهشتهم، قائلاً:
- لقد قلت لكم مؤخراً بان السلطة الحاكمة اقتلعت كل أضفاري لإرغامي على الاعتراف بجرم لم ارتكبه.. إلا ان الحقيقة ابسط من ذلك، فأنا دائم التثاقل والتكاسل من تقليمها بين الحين والاخر، لذا عملت الحكومة بتكليف لجنة مختصة لانتزاعها من جذورها من دون ألم ولا نزف.
كما اود ان اكشف لكم كذبة اخرى وهي إنني نشرت شائعة ضد الحكومة اقول فيها إنها تسرق النفط وتسلب الشعب حقوقه الاقتصادية.. وانتم على دراية تامة ان النفط قد جف على جلودنا واحتراق بحرارة الشمس وان عظام امواتنا خالية من التفاعلات، اي انها خارج منظمة (الأوابك).
صَدق الجميع بزيف حروفي، وصفقوا بحرارة.. إلا ان أحدهم أشارإلي بسبابته وهتف بأعلى صوته كاذب.. كاذب.
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق